فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن جملة ذلك أن ينصروا القائم بالدّين بعْد عيسى من أتباعه، مثل بُولس وبَطرس وغيرهما من دعاة الهدى؛ وأعظم من ذلك كلّه أن ينصروا النبيءَ المبشَّر به في التَّوراة والإنجيل الّذي يجيء بعد عيسى قبل منتهى العالم ويخلِّص النّاس من الضلال {وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين لَمَا آتيتكم من كتاب وحكمة ثُمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمِنُنّ به ولتَنْصُرُنَّه} [آل عمران: 81] الآية.
فجميع أتباع الرسل قد لزمهم ما التزمه أنبياؤهم وبخاصّة النّصارى، فهذا اللقب، وهو النصارى، حجّة عليهم قائمة بهم متلبّسة بجماعتهم كلّها.
ويفيد لفظ {قالوا} بطريق التعريض الكنائي أنّ هذا القول غير موفًّى به وأنّه يجب أن يوفّى به.
هذا إذا كان النصارى جمعًا لنَاصرِيّ أو نصْرانِي على معنى النسبة إلى النّصر مبالغة، كقولهم: شَعْرَاني، ولِحيَاني، أي النّاصر الشديد النصر؛ فإن كان النّصارى اسم جمع ناصريّ، بمعنى المنسوب إلى الناصري، والناصري عيسى، لأنّه ظهر من مدينة الناصرة.
فالناصري صفة عرف بها المسيح عليه السّلام في كتب اليهود لأنّه ظهر بدعوة الرسالة من بلد النّاصرة في فلسطين؛ فلذلك كان معنى النسبة إليه النسبة إلى طريقته وشرعه؛ فكلّ من حاد عن شرعه لم يكن حقيقًا بالنسبة إليه إلاّ بدعوى كاذبة، فلذلك قال: {قالوا إنَّا نصارى}.
وقيل: إنّ النصارى جمع نصراني، منسوب إلى النصْر: كما قالوا: شعراني، ولِحياني، لأنّهم قالوا: نحن أنصار الله.
وعليه فمعنى {قالوا إنّا نصارى} أنّهم زعموا ذلك بقولهم ولم يؤيّدوه بفعلهم.
وقد أخذ الله على النصارى ميثاقًا على لسان المسيح عليه السّلام.
وبعضه مذكور في مواضع من الأناجيل.
وقوله: {فأغرينا بينهم العداوة} حقيقة الإغراء حَثّ أحدٍ على فعل وتحسينُه إليه حتّى لا يتوانى في تحصيله؛ فاستعير الإغراء لتكوين ملازمة العداوة والبغضاء في نفوسهم، أي لزومهما لهم فيما بينهم، شُبّه تكوين العداوة والبغضاء مع استمرارهما فيهم بإغراء أحد أحدًا بعمل يعمل تشبيه معقول بمحسوس.
ولمّا دلّ الظرف، وهو {بينَهم}، على أنّهما أغْرِيَتَا بهم استُغني عن ذكر متعلّق {أغرينا}.
وتقدير الكلام: فأغرينا العداوة والبغضاء بِهم كائنتين بينهم.
ويُشبه أن يكون العدول على تعدية {أغرينا} بحرف الجرّ إلى تعليقه بالظرف قرينة أو تجريدًا لبيان أنّ المراد بـ {أغرينا} ألْقينا.
وما وقع في الكشاف من تفسير {أغرينا} بمعنى ألصقنا تطوّح عن المقصود إلى رائحة الاشتقاق من الغِرَاءِ، وهو الدهن الذي يُلْصق الخشب به، وقد تنوسي هذا المعنى في الاستعمال.
والعداوة والضمير المجرور بإضافة بينَ إليه يعود إلى النصارى لتنتسق الضّمائر.
والعداوَة والبغضاءُ اسمان لمعنيين من جنس الكراهية الشديدة، فهما ضدّان للمحبّة.
وظاهر عطف أحدِ الاسمين على الآخر في مواضع من القرآن، في هذه الآية وفي الآيتين بعدها في هذه السورة وفي آية سورة الممتحنة، أنّهما ليسا من الأسماء المترادفة؛ لأنّ التزام العطف بهذا الترتيب بُبعِّد أن يكون لمجرّد التّأكيد، فليس عطف أحدهما على الآخر من قبيل عطف المرادف لمجرّد التّأكيد، كقوله عَدِي:
وألْفَى قَولهَا كَذِبا وَمَيْنا

وقد ترك علماء اللّغة بيان التفرقة بين العداوة والبغضاء، وتابعهم المفسّرون على ذلك؛ فلا تجد من تصدّى للفرق بينهما سوى الشيخ ابن عرفة التّونسي، فقال في «تفسيره» «العداوة أعمّ من البغضاء لأنّ العداوة سبب في البغضاء؛ فقد يتعادى الأخ مع أخيه ولا يتمادى على ذلك حتّى تنشأ عنه المباغضة، وقد يتمادى على ذلك» اهـ.
وقال ابن عاشور:
ووقع لأبي البقاء الكفوي في كتاب «الكليّات» أنّه قال: «العداوة أخصّ من البغضاء لأنّ كلّ عدوّ مبغض، وقد يُبغِض من ليس بعدوّ».
وهو يخالف كلام ابن عرفة.
وفي تعليليْهما مصادرة واضحة، فإن كانت العداوة أعمّ من البغضاء زادتْ فائدةُ العطف لأنّه يصير في معنى الاحتراس، وإن كانت العداوة أخصّ من البغضاء لم يكن العطف إلاّ للتّأكيد، لأنّ التأكيد يحصل بذكر لفظ يدلّ على بعْضضٍ مُطلقٍ من معنى الموكَّذ، فيتقرّر المعنى ولو بوجه أعمّ أو أخصّ، وذلك يحصل به معنى التّأكيد.
وعندي: أنّ كلا الوجهين غير ظاهر، والذي أرى أنّ بين معنيي العداوة والبغضاء التضادّ والتباين؛ فالعداوة كراهية تصدر عن صاحبها: معاملةٌ بجفاء، أو قطيعة، أو إضرار، لأنّ العداوة مشتقّة من العدو وهو التجاوز والتباعد، فإنّ مشتقّات مادة «ع د و» كلّها تحوم حول التفرّق وعدم الوئام.
وأمّا البغضاء فهي شدّة البغض، وليس في مادة «بـ غ ض» إلاّ معنَى جنس الكراهية فلا سبيل إلى معرفة اشتقاق لفظها من مادتها.
نعم يمكن أن يرجع فيه إلى طريقة القلب، وهو من علامات الاشتقاق، فإنّ مقلوب بَغِض يكون غَضِب لا غير، فالبغضاء شدّة الكراهية غير مصحوبة بَعَدوْ، فهي مضمرة في النفس.
فإذا كان كذلك لم يصحّ اجتماع معنيي العداوة والبغضاء في موصوف واحد في وقتتٍ واحد فيتعيّن أن يكون إلقاؤهما بينهما على معنى التّوزيع، أي أغرينا العداوة بين بعض منهم والبغضاءَ بين بعضضٍ آخر.
فوقع في هذا النظم إيجاز بديع، لأنّه يرجع إلى الاعتماد على علم المخاطبين بعدم استقامة اجتماع المعنيين في موصوف واحد.
ومن اللّطائف ما ذكره ابن هشام، في شرح قصيدة كعب بن زهير عند قول كعب:
لكنَّها خُلّة قد سِيط من دَمها ** فَجْع وولْع وإخلاف وتبديل

أنّ الزمخشري قال: إنّه رأى نفسه في النّوم يقول: العداوة مشتقّة من عُدوة الوادي، أي جانبه، لأنّ المتعاديين يكون أحدهما مفارقًا للآخر فكأنّ كلّ واحد منهما على عدوة.اهـ.
وقال ابن عاشور:
فيكون مشتقًّا من الاسم الجامد وهو بعيد.
وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم كان عقابًا في الدنيا لقوله: {إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم الله بما كانوا يصنعون} جزاء على نكثهم العهد.
وأسباب العداوة والبغضاء شدّة الاختلاف: فتكون من اختلافهم في نحَل الدّين بين يعاقبة، وملكانية، ونسطورية، وهراتقة «بروتستانت»؛ وتكون من التحاسد على السلطان ومتاع الدّنيا، كما كان بين ملوك النّصرانية، وبينهم وبين رؤساء ديانتهم.
فإن قيل: كيف أغريت بينهم العداوة وهم لم يزالوا إلْبا على المسلمين؟ فجوابه: أنّ العداوة ثابتة بينهم في الدين بانقسامهم فِرقًا، كما قدّمناه في سورة النساء (171) عند قوله تعالى: {وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروح منه}، وذلك الانقسام يجرّ إليهم العداوة وخذْل بعضهم بعضًا.
ثمّ إنّ دولهم كانت منقسمة ومتحاربة، ولم تزل كذلك، وإنّما تألّبوا في الحروب الصّليبية على المسلمين ثمّ لم يلبثوا أن تخاذلوا وتحاربوا، ولا يزال الأمر بينهم كذلك إلى الآن.
وكم ضاعت مساعي الساعين في جمعهم على كلمة واحدة وتأليف اتّحاد بينهم، وكان اختلافهم لطفًا بالمسلمين في مختلف عصور التّاريخ الإسلامي، على أنّ اتّفاقهم على أمّة أخرى لا ينافي تمكُّن العداوة فيما بينهم، وكفى بذلك عقابًا لهم على نسيانهم ما ذكّروا به.
وقيل: الضمير عائد على الفريقين، أي بين اليهود والنصارى، ولا إشكال في تجسّم العداوة بين الملّتين.
وقوله: {وسوف ينبّئُهم الله} تهديد لأنّ المراد بالإنباء إنباء المؤاخذة بصنيعهم، كقوله: {فسوف تعلمون} [الأنعام: 135].
وهذا يحتمل أن يحصل في الآخرة فالإنباء على حقيقته، ويحتمل أن يحصل في الدنيا، فالأنباء مجاز في تقدير الله لهم حوادث يعرفون بها سوء صنيعتهم. اهـ.

.قال الثعالبي:

اعلَمْ رحمك اللَّه؛ أنه قَدْ جاءَتْ آثارٌ صحيحةٌ في ذَمِّ الشحناءِ والتباغُضِ والهِجْرَانِ لغَيْر موجِبٍ شرعيٍّ، ففي «صحيح مُسْلِمٍ»، عن أبي هُرَيْرة؛ أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنَ وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إلاَّ رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيه شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا، انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا»، وفي روايةٍ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ خَمِيسٍ واثنين، فَيَغْفِرُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لِكُلِّ امرىء لاَ يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئًا» الحديث. انتهى.
وروى ابنُ المُبَارَكِ في «رقائقه» بسنده، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَإنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا على صِرَامِهِمَا، فَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ بِالفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ، وَإنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلاَمَهُ، رَدَّتْ عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ، وَرَدَّتْ عَلَى الآخَرِ الشَّيَاطِينُ، وإذَا مَاتَا على صِرَامِهِمَا، لَمْ يَدْخُلاَ الجَنَّةَ»، أُرَاهُ قَالَ: أَبَدًا. انتهى، وسنده جيِّد، ونصَّه قال ابن المبارك: أخبرنا شعبةُ عَنْ يزيدَ الرِّشْكِ، عن مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عامرٍ يقول: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديثَ.
وقوله: «لَمْ يدخُلاَ الجَنَّةَ»: ليس على ظاهره، أيْ: لم يدخُلاَ الجَنَّة أبدًا؛ حتى يقتصَّ لبعضهم من بعض، أو يقع العفو، أو تحلَّ الشفاعة؛ حَسْبما هو معلومٌ في صحيح الآثار. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)}.
الإشارة في هذه الآية أن النصارى أثبت لهم الاسم بدعواهم فقال: {قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} وسموا نصارى لتناصرهم، وبدعواهم حرَّفوا وبدَّلوا؛ وأما المسلمون فقال: {هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ} [الحج: 78].
كما قال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 2] فلا جَرَمَ ألا يسموا بالتناصر. ولمَّا سمَّاهم الحقُّ بالإسلام ورَضِيَ لَهم به صانهم عن التبديل فَعُصِمُوا.
ولما استمكن منهم النسيان أبدلوا بالعداوة فيما بينهم، وفساد ذات البين؛ فأرباب الغفلة لا ألفة بينهم. وأهل الوفاء لا مباينة لبعضهم من بعض، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون كنفس واحدة»، وقال تعالى في صفة أهل الجنة: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ}.
بعبادة الله وحده، وأن لا يشركوا به شيئًا، وحفظ شرعة عيسى عليه السلام. وإنما نسب تسميتهم نصارى إلى أنفسهم- دون أن يقال «ومن النصارى»-إيذانًا بأنهم في قولهم: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّه} [آل عِمْرَان: 52]. بمعزلٍ من الصدق. وإنما هو تقولٌ محض منهم. وليسوا من نصرة الله تعالى في شيء. أو إظهارًا لكمال سوء صنيعهم ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم. فإن ادعاءهم لنصرته تعالى يستدعي ثباتهم على طاعته تعالى ومراعاة ميثاقه. أفاده أبو السعود. قال الناصر في الانتصاف: وبقيت نكتة في تخصيص هذا الموضع بإسناد النصرانية إلى دعواهم. ولم يتفق ذلك في غيره. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]. فالوجه في ذلك- والله أعلم- أنه لما كان المقصود في هذه الآية ذمّهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم في نصرة الله تعالى، نَاسَبَ ذلك أن يصدر الكلام بما يدل على أنهم لم ينصروا الله ولم يفوا بما واثقوا عليه من النصرة. وما كان حاصل أمرهم إلا التفوه بدعوى النصرة وقولها دون فعلها. والله أعلم.
قال الشهاب الخفاجي: الموجود في كتب اللغة والتاريخ أن النصارى نُسبِتْ إلى بلدة «ناصرة» أي: التي حبُل فيه المسيح وتربى فيها. ولذلك كان يدعى عليه السلام «ناصريًّا». ثم قال: فلو قيل في الآية: إنهم على دين النصرانية وليسوا عليها لعدم عملهم بموجبها ومخالفتهم لِمَا في الإنجيل من التبشير بنبيّنا صلى الله عليه وسلم- لكان أقرب من وجه التسمية الذي ذكروه.
{فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا} أي: ألقينا {بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: يتعادون ويتباغضون إلى قيام الساعة حسبما تقتضيه أهواؤهم المختلفة، وآراؤهم الزائغة المؤدية إلى التفرّق فرقًا متباينة، يلعن بعضها بعضًا، ويكفر بعضها بعضًا {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ} يخبرهم الله في الآخرة {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} من المخالفة وكتمان الحق والعداوة والبغضاء. ونسيان الحظ الوافر مما ذكّروا به. وهذا وعيد شديد بالجزاء والعذاب.
لطيفة:
تطرف البقاعي- رحمه الله تعالى- في «تفسيره» هنا إلى ذكر نقباء بني إسرائيل بأسمائهم، وأن عدتهم طابقت عدة نقباء النصارى- وهم الحواريون- كما طابقت عدة نقباء الأنصار ليلة العقبة الأخيرة، حين بايع النبيّ صلى الله عليه وسلم الأنصار على الحرب، وأن يمنعوه إذا وصل إليهم، وقال لهم: أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا- كما اختار موسى من قومه- فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
وذكر البقاعي: أن بعث النقباء من بني إسرائيل كان مرتين: الأول لما كلّم تعالى موسى في برية سيناء في اليوم الأول من الشهر الثاني من السنة لخروجهم من أرض مصر. وقد فصلت في الفصل الأول من سفر «العدد». والمرة الثانية: بعثوا لجسّ أرض كنعان. وفصلت أيضًا في الفصل الثالث عشر من سفر «العدد» ثم ذكر البقاعي: أن نقباء اليهود في جسّ الأرض لم يوف منهم إلاّ يوشع بن نون وكالب بن يفنا، وأما نقباء النصارى، فخان منهم واحد- وهو يهوذا- كما مضى عند قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}. وأما نقباء الأنصار فكلهم وَفى وبرّ بتوفيق الله تعالى.
وقد اقتص البقاعي أسماء نقباء الفرق الثلاث، ولمعة من نَبَئِهم. فانظره، والله أعلم. اهـ.